سورة الأعراف - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)}
{لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} جملة اعتراض بين المبتدأ والخبر ليبين أن ما يطلب من الأعمال الصالحة ما في الوسع والطاقة {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} أي من كان صدره غل لأخيه في الدنيا ننزعه منه في الجنة وصاروا إخواناً أحباباً، وإنما قال: نزعنا بلفظ الماضي وهو مستقبل لتحقيق وقوعه في المستقبل، حتى عبر عنه بما يعبر عن الواقع، وكذلك كل ما جاء بعد هذا من الأفعال الماضية في اللفظ، وهي تقع في الآخرة كقوله: {ونادى أَصْحَابُ الجنة}، {ونادى أَصْحَابُ الأعراف} {ونادى أَصْحَابُ النار}، وغير ذلك {هَدَانَا لهذا} إشارة إلى الجنة أو إلى ما أوجب من الإيمان والتقوى {أَن تِلْكُمُ الجنة} و{أَن قَدْ وَجَدْنَا}، {أَن لَّعْنَةُ الله} و{أَن سلام}: يحتمل أن يكون أن في كل واحدة منها مخففة من الثقيلة، فيكون فيها ضميراً أو حرف عبارة وتفسير لمعنى القول {مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً} حُذف مفعول وعد استغناء عنه بمفعول وعدنا أو لإطلاق الوعد فيتناول الثواب والعقاب {أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} [يوسف: 70] أي أعلم معلم وهو ملك {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} أي بين الجنة والنار أو بين أصحابهما وهو أرجح لقوله: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ} [الحديد: 13] {الأعراف}.
قال ابن عباس: هو تل بين الجنة والنار، وقيل: سور الجنة {رِجَالٌ} هم أصحاب الأعراف ورد في الحديث: أنهم قوم من بني آدم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم يدخلوا الجنة ولا النار، وقيل: هم قوم خرجوا إلى الجهاد بغير إذن آبائهم، فاستشهدوا، فمنعوا من الجنة لعصيان آبائهم، ونجوا من النار للشهادة {يَعْرِفُونَ كُلاًّ بسيماهم} أي يعرفون أهل الجنة بعلامتهم من بياض وجوههم، ويعرفون أهل النار بعلامتهم من سواد وجوههم، أو غير ذلك من العلامات {وَنَادَوْاْ أصحاب الجنة أَن سلام عَلَيْكُمْ} أي سلام أصحاب الأعراف على أهل الجنة {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} أي أن أصحاب الأعراف لم يدخلوا الجنة وهم يطمعون في دخولها من بعد {وَإِذَا صُرِفَتْ أبصارهم} الضمير لأصحاب الأعراف أي إذا رأوا أصحاب النار دعوا الله أن لا يجعلهم معهم {ونادى أصحاب الأعراف رِجَالاً} يعني من الكفار الذين في النار، قالوا لهم ذلك على وجه التوبيخ {جَمْعُكُمْ} يحتمل أن يكون أراد جمعهم للمال أو كثرتهم {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} أي استكبارهم على النار أو استكبارهم على الرجوع إلى الحق، فما ها هنا مصدرية وما في قوله: {مَآ أغنى} استفهامية أو نافية {أهؤلاء الذين أَقْسَمْتُمْ} من كلام أصحاب الأعراف خطاباً لأهل النار والإشارة بهؤلاء إلى أهل الجنة، وذلك أن الكفار كانوا في الدنيا يقسمون أن الله لا يرحم المؤمنين، ولا يعبأ بهم؛ فظهر خلاف ما قالوا، وقيل: هي من كلام الملائكة خطاباً لأهل النار، والإشارة بهؤلاء إلى أصحاب الأعراف {ادخلوا الجنة} خطاباً لأهل الجنة إن كان من كلام أصحاب الأعراف تقديره: قد قيل لهم ادخلوا الجنة، أو خطاباً لأهل الأعراف إن كان من كلام الملائكة {أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ المآء} دليل على أن الجنة فوق النار {أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} من سائر الأطعمة والأشربة {فاليوم ننساهم} أي نتركهم {كَمَا نَسُواْ} الكاف للتعليل {وَمَا كَانُواْ} عطف على كما نسوا: أي لنسيانهم وجحودهم {جئناهم بكتاب} يعني القرآن {فصلناه على عِلْمٍ} أي علمنا كيف نفصله {إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} أي هل ينتظرون إلا عاقبة أمره، وما يؤول إليه أمره بظهور ما نطق به من الوعد والوعيد {قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق} أي قد تبين وظهر الآن أن الرسل جاؤوا بالحق.


{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}
{استوى عَلَى العرش} حيث وقع حمله قوم على ظاهره منهم ابن أبي زيد وغيره، وتأوّله قولم بمعنى: قصد كقوله: ثنم استوى إلى السماء، ولو كان ذلك لقال: ثم استوى إلى العرش، وتأوّلها الأشعرية أنّ معنى استوى استولى بالملك والقدرة، والحق: الإيمان به من غير تكييف، فإنّ السلامة في التسليم، ولله در مالك بن أنس في قوله للذي سأله عن ذلك: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عن هذا بدعة، وقد روي مثل قول مالك عن أبي حنيفة، وجعفر الصادق، والحسن: البصري، ولم يتكلم الصحابة ولا التابعون في معنى الاستواء، بل أمسكوا عنه ولذلك قال مالك السؤال عن هذا بدعة {يُغْشِي اليل النهار} أي يلحق الليل بالنهار، ويحتمل الوجهين، هكذا قال الزمخشري، وأصل اللفظة من الغشاء، أي يجعل أحدهم غشاء للآخر يغطيه فتغطي ظلمة الليل ضوء النهار {يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} أي سريعاً، والجملة في موضع الحال من الليل أي طلب الليل النهار فيدركه {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} قيل: الخلق المخلوقات، والأمر مصدر أمر يأمر، وقيل: الخلق مصدر خلق، والأمر واحد الأمور: كقوله: إلى الله تصير الأمور، والكل صحيح {تَبَارَكَ} من البركة، وهو فعل غير منصرف لم تنطق له العرب بمضارع {تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} مصدر في موضع الحال وكذلك خوفاً وطمعاً، وخفية من الإخفاء، وقرئ خيفة من الخوف {المعتدين} المجاوزين للحد، وقيل هنا هو رفع الصوت بالدعاء والتشطط فيه.


{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}
{وادعوه خَوْفاً وَطَمَعاً} جمع الله الخوف والطمع ليكون العبد خائفاً راجياً، كما قال الله تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57] فإن موجب الخوف معرفة سطوة الله وشدّة عقابه وموجب الرجاء معرفة رحمة الله وعظيم ثوابه، قال تعالى: {نَبِّىءْ عِبَادِي} [الحجر: 49 - 50] ومن عرف فضل الله رجاه، ومن عرف عذابه خافه، ولذلك جاء في الحديث: «لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا» إلا أنه يستحب ان يكون العبد طول عمره يغلب عليه الخوف ليقوده إلى فعل الطاعات وترك السيئات وأن يغلب عليه الرجاء عند حضور الموت لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى».
واعلم أن الخوف على ثلاث درجات: الأولى: أن يكون ضعيفاً يخطر على القلب ولا يؤثر في الباطن ولا في الظاهر، فوجود هذا كالعدم والثانية: أن يكون قوياً فيوقظ العبد من الغفلة ويحمله على الاستقامة، والثالثة: أن يشتد حتى يبلغ إلى القنوط واليأس وهذا لا يجوز، وخير الأمور أوسطها، والناس في الخوف على ثلاث مقامات: فخوف العامة: من الذنوب، وخوف الخاصة من الخاتمة، وخوف خاصة الخاصة من السابقة، فإن الخاتمة مبنية عليها، والرجاء على ثلاث درجات: الأولى: رجاء رحمة الله مع التسبب فيها بفعل طاعة وترك معصية فهذا هو الرجاء حتى يبلغ الأمن، فهذا حرام، والناس في الرجاء على ثلاث مقامات: فمقام العامة رجاء ثواب الله، ومقام الخاصة رضوان الله، ومقام خاصة الخاصة رجاء لقاء الله حباً فيه وشوقاً إليه {إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين} حذفت تاء التأنيث من قريب وهو خبر عن الرحمة على تأويل الرحمة: بالرحم أو الترحم أو العفو، أو لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي، أو لأنه صفة موصوف محذوف وتقديره شيء قريب، أو على تقدير النسب أي ذات قرب، وقيل: قريب هنا ليس خبر عن الرحمة وإنما هو ظرف لها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8